الجمعة، 24 شتنبر 2010

البيت المهجور

لم يكن بيتا مهجورا فقط ، كان أناس وحكايا وأصوات وحربشات على الحيطان ، بكاء طفل كبر مع السنين واكتسب التغير الطبيعي في صوته حتى صار رجلا ، وكان مناقصات ومزايدات حول طريق يتبعها في حياته ، ولحظات قرب من الله فيها كثيرا حتى ارتسمت دموع الخشوع على وسادته ، وأوقات إبتعد فيها عن طريق الهداية حتى لعلعت حمرة الخمرة على شفتيه بلون كالدم ومال جسده ليرسم رقصا أشبه بتصارع محاربين في ساحة قتال ..
اليوم عاد للبيت المهجور يبحث عن تاريخ ضائع ، عن نفس ضائعة ، عن أحلام  رسمها بقلم الرصاص وراهن أن الزمن لن يمحيها وإن انمحت من داخله وصارت سرابا . زوجته والطفل حمل جديد ينظم للركب القديم ، لإختزال بين زمن كان وزمن آت ، مرتبكة تخطوا نحو الداخل وغبار السنين يطاردها ، مرحلة جديدة بلون رمادي  ، الغبار ، المستقل المظلم ، والإحساس بالفشل .. تلك الصفات المشتركة للعودة لهذا البيت المهجور ، ومع ذلك إستسلمت لخطاه كما استسلم وليدها للنوم في حضنها ، هي الآن لا تدري إن كانت ما زالت تحبه أم لا  ، لم يكن لديها اختيار ، فهي غريبة ومن بلد الأضواء المشتعلة ليلا ونهارا ، من بلاد كل الأمور فيها بحساب وبرقابة ...
صمته لم يشجعها على أن تعبر على رغبتها الصغيرة في أن ترتمي على كرسي او حتى على الأرض المتسخة لعلها تتحرر من ألم الظهر الذي عاودها من جديد ، وقفت في ركن كأنما تحاول أن تسمح للمكان أن يتأقلم مع وجودها ، أن تصبغ عينيها برماديته وتصبح تابعة له ، التفت اليها وفي عينيه نظرة موتى عائدين بعد سنين من الدفن في عالم لم يملكوا منه الا ملابس ملونة ، التقت عيناهما ...فقررت أن تستمر في لعبة الصمت ، وأخفت عينيها في صورة معلقة على الحائط ، استجاب الي دعوة لم تكن دعوة بالفعل اقترب من الصورة أزاح عنها الغبار لتظهر وجوه مبتسمة وتمتم موضحا عن أمور عدة لكنها لأول مرة أحسن أنها هي من بداخل الإطار وهم أحرار يتفرجون عليها ويتغامزون  كأنما كانوا هناك ينتظرون انهزامهم في حياتهم الجديدة وعودتهم ، أنهكها هول التخيل فأفرغت دمعة كانت متحجرة مند أيام ، من ساعة عودته المنهوكة ليعلن لها إفلاسه ، لم تعبأ بها فهي التصرف الوحيد الذي يبين أنها على قيد الحياةبعد أن صارت أسيرة البيت المهجور...

هناك تعليق واحد:

  1. تحياتي الفاضلة سحر

    في نصك عمق في فهم القهر
    في حرفك اقتدار على خلق الصور الشعرية:

    "" اليوم عاد للبيت المهجور يبحث عن تاريخ ضائع ، عن نفس ضائعة ، عن أحلام رسمها بقلم الرصاص وراهن أن الزمن لن يمحيها وإن انمحت من داخله وصارت سرابا . زوجته والطفل حمل جديد ينظم للركب القديم ، لإختزال بين زمن كان وزمن آت""

    حقا قوة إحساسك بما تسطرين عالية جدا

    تواصلك يسعدني
    مع التقدير والحب
    آدم

    ردحذف